د. حسن الشريف
دردشة مع د. حسن الشريف *
!دولة فلسطينية ديمقراطية
جهان: ممكن الحديث عن بعض الذكريات عن أبو عمر والعلاقة التي كانت بينك وبينه ونظرته للمقاومة وانضمامه لها...؟
حسن: برجع بالذاكرة للحقيقة لعام 1968. أنا كنت في أميركا وبعد حرب 67’ رجعت على المنطقة وتعرفت على فتح وبدأت اشتغل معهم، وبعدها رجعت أتابع دراستي ومعي نوع من التفويض أنه نعمل نشاط في أميركا. أول لقاء إلي مع حنا كان في يسان 68 في كاليفورنيا عملنا ندوة لمدة يومين حول القضية الفلسطينية وحول المقاومة وجاء وأعطى ورقة في الندوة أللي كانت للشباب العربي والفلسطيني المهتمين من الجامعات المختلفة.
وكان واضحا من أول لقاء إنه كان حاسم أمره، كان يبحث على الطريق ليصل. حكيت له عن فتح وطبيعتها. بتذكر يعني من القضايا التي استفسر عنها إذا فتح إسلامية، فشرحت له إنه فتح فعلا كانوا من أصول إسلامية، بس خلافهم مع الإخوان المسلمين كان أساسًا بسبب قضية فلسطين، وجدوا إنه الإسلاميين همّهم الآخرة أكثر ما همّهم تحرير فلسطين.
جهان: كنت بتلك الفترة بتعرف القيادات؟
حسن: طبعا، تعرفت على عدد كبير من القيادات الله يرحمهم من أبو عمار لأبو جهاد لأبو إياد لخالد الحسن لخالد اليشرطي وكمال عدوان، كلهم تعرفت عليهم في 68’ واشتغلنا مع بعض منيح في عمان وبيروت لما كانوا يلتقوا معنا ويحكوا كثير عن قضايا الثورة. تناقشت مع أبو عمر عن الاختلاف بين فتح والشعبية. هو كان حاسم أمره إنه الموضوع ليس إيديولوجيا، الموضوع من يقدر يثبت حاله على الأرض ويقدر يجمّع الناس حوله ويلاقي الدعم والشعبية الواسعة على الأرض. فاختياره لفتح كان بوعي وليس بالصدفة. طبعا اشتغلنا مع بعض، عملنا مجموعات بكل محل، وبقينا نتبادل الزيارات. جاء هو أكتر من مرة على منطقة سان فرانسيسكو وأنا رحت 3 أو 4 مرات على سياتل، كنا ندعيه ليعمل محاضرات كأستاذ جامعي وعنده تفكير ناضج بهذه القضايا، فكان يساعد كثير.
أول مرة حكى معي إنه مقرر يرجع كان بعدها بسنة في ربيع 69’ قال لي إنه قرر يرجع. سمّينا حالنا وقتها: أنصار فتح. سألوني الأعضاء لماذا أنصار فتح وليس فتح؟ قلت لهم يلي بدو يعمل فتح برجع على البلد، نحن هون أكتر من أنصار ما فينا. طبعا هذا المنطلق تغيربعد ما تركت ، بس بوقتها كنت مصرّ أنه نحن بس أنصار فتح.
في 69’ رجعت وذهبت لعمان، وكان هو صار راجع ومنخرط. والتقيت فيه بواحد من المعسكرات. كان في مخيم داخلي، هو كان من الموجّهين السياسيين. قالوا لي في واحد أسمه أبو عمر يريد ان يراك.
جهان: بأميركا أخذ اسم أبو عمر؟
حسن: كان صار له شهرين أو ثلاثة واصل، أنا وصلت بتموز، وصل هو بعد ما خلصت الجامعة يمكن بأيار أو حزيران. بقينا على اتصال من وقتها. وقتها كان مِسْمَرّ، لابس كاكي وبحكي فلاحي حتى يتقرّب أكتر من الناس. كانت مفاجأة حلوة لي وله.
بعدين جاء ابو عمر للولايات المتحدة عدة مرات، لأن هو كان بأول مرحلة على الأقل يحاول يحافظ على الإقامة (الغرين كارد)، قبلها ما كان يريد جواز السفر الأمريكي بس بالأخر صار بحاجة له، فكان يزورنا من وقت لوقت.
جهان: لكن بعدها سحب منه (الغرين كارد) راح آخر شي في 72 قبلها بقي يروح كل سنة.
حسن: عندما جاء على كاليفورنيا بربيع 69’ قبل ما أنتقل على ديترويت، وعمل محاضرات وندوات بإطار واسع، ما كان في لسه أي إحراجات.. بس بتذكر جاء أكتر من مرة، آخر مرة قبل ما أترك أنا بفترة بسيطة. أنا تركت أمريكا ورجعت نهائيا في تشرين الأول 71’. أنا بذكر بعد ما ترك، جاء مرتين، مرة كنت في كاليفورنيا ومرة كنت انتقلت إلى ديترويت، وعمل جولات واسعة وقدر يشد أكتر شي جماعة رام الله ونوادي رام الله في كل أميركا، لعب دورا مهما بهذا المجال. بعدين طبعا رجعنا التقينا هنا في بيروت.
جهان: كتما سويا في إقليم فتح في لبنان؟
حسن: قبل الإقليم كنا دائما نلتقي. تشكلت لجنة الإقليم التي كنا فيها مع يعض في 73 بعد اغتيال القادة الثلاثة في بيروت ، نيسان 73’. أنا مدة سنتين كنت في مركز التخطيط فقط ، بس كنا نلتقي، هو كان قي مواقعه مع أبو جهاد في القطاع الغربي. . بس علاقتنا كثير كانت قوية، كنا نلتقي دائما إذا بتذكري، على مستوى عمل وعلى مستوى شخصي نتبادل الأفكار والآراء. ودخلنا بكل الصراعات، بقدر ما هي الاختلافات الفكرية. نحن كنا محسوبين على اليسار أو التقدمي، أنا كنت أسميه التقدمي أكتر من يسار.
جهان: بأي معنى؟
حسن: بهاديك الفترة التيار اليساري كان الذي يدعو إلى تبنّي الماركسية واعتمادها كإيديولوجية واضحة في العمل السياسي. التقدميون كانوا يعتبرون إنه حركة التحرر ما بالضروري يكون عندها إيديولوجية. كان في مجموعات عندهم الفكر الماركسي وكان في مجموعات عندهم الفكر الإسلامي وكان في الوسط بيهم داخل فتح. بس فكرة إنه كلهم يشتغلون مع بعض، هي التي ميّزت فتح، بشكل خاص. كان الواحد يتطلع بإعجاب لأبي جهاد لأنه قدر يجمع كل هذه التيارات وإلى درجة أقل أبو عمار، بعدين الباقين صاروا يتعلموا منهم. بس ما حدا منهم داخل فتح تبنّى الخط اليساري بالمطلق إلا لفترة بسيطة، الله يرحم ماجد أبو شرار فهو جرّب أن يتبنى الخط الأكثر يسارية. بس الباقين، كان إنه الكل يشتغل مع بعض والفكرة إنه الكل يقبل الكل. في مرحلة التحرر الوطني الكل لازم يشتغل مع بعض والكل لازم يقبل الكل. بالمرحلة اللاحقة عملية الاختيار الأيديولوجي تصير، هذا الذي ميّزنا نحن كلنا عن الديمقراطية والشعبية، رغم إنه كان في من يسار فتح ناس متبنيين الفكر الماركسي، بس كثار منا كانوا متأثرين بالفكر الماركسي بدون ما يلتزموا فيه، وحتما كانت الغالبية فكرها علماني غير ديني. بس كمان كان في مجموعات إسلامية وكنا قادرين نشتغل مع بعض. كان في حوارات فكرية أكتر منها صراعات.
جهان: ولكن التيارات تطورت؟
حسن: واضح، داخل فتح تطوروا كثيرا بهاديك الفترة، منها قضايا بعدني بتذكر اشتغلنا عليها كثير مع بعضنا نحن وأبو عمر، كان جزء فيها هي قصة الدولة الديمقراطية، كان لنا دور أساسي في تصور الحل وبطرح دولة فلسطينية ديمقراطية تتقبّل كل الأديان على مستوى واحد، شرط يكون في مواطنة متساوية، هذه رجعت تبنّتها فتح كجزء من الحوارات الفكرية التي كنا نحن جزء أساسي فيها.
جهان: أبو عمر آمن إنه مستحيل يصير في حل دولتين لأمه إذا صار دولة مستقلة ذات سيادة بكل معنى الكلمة ، معناه إنه انهزم المشروع الصهيوني.
حسن: بعدها بتذكر صارت حرب تشرين وهي غيّرت كثير، أنا وأبو عمر والياس شوفاني. كل واحد فينا له تفكيره وتوجهه، كل واحد فينا كان يرى الأمور من وجهة نظر مختلفة، عمرنا ما اختلفنا كأفراد، اختلفنا كثير كتوجهات سياسية.
عام 73 كان اللقاء المشهور في شاتيلا عندما جمع أبو عمار القيادة والكوادر كلها وطرح فكرة الدولة الفلسطينية. حصل زلزال وصار في نقاشات كثيرة شاركنا فيها جميعا، كنا نشعر إنه قصة الدولة طُرحت لتفتيت الساحة الفلسطينية، وإنه الحل العملي هو تجنب التفتيت بسببها لا شي راح يطبق وقتها، لكن لو راح تصير ثاني يوم كما كانت القيادة تقول، يصارع الواحد عليها ويواجه. اذكر جيدا ما قاله لي أبو عمر بعد اللقاء، فقد وصف الوضع بشكل كثير طريف قال: مثل الناس الطالعين على جبل كمجموعة أو قافلة، وصلوا إلى مفترق والمفترق كان صعبا، صعب كثير وطلعة قوية، انقسم الناس، البعض استمروا طلوع، ناس راحوا يمين وناس راحوا يسار وناس بقوا مكانهم منتظرين الناس الطالعين إلى أين راح يوصلوا، وناس قرروا ينزلوا. كتير في تلك الفترة تركوا وأنا واحد منهم، تركت لأسباب كثيرة، في حين إنه أبو عمر كان مع النضال ضد المرحلية لكن بدون مواجهة.
شغلتين بتذكرهم كان أبو عمر يقول أن فتح كومة حجار، إذا قلبتها تبقى كومة حجار، إذا حركتها تبقى كومة حجار، إذا كسّرتها تبقى كومة حجار. صحيح هاي نقطة ضعف بس قد تكون بمرحلة من المراحل نقطة قوة. وشغلة ثانية كان دائما يحكيها عن تنظيم فتح، إنه فتح لا هي تنظيم أُفقي ولا عامودي. فتح خطوط، كله يخترق كله، المهم من هو الرأس الذي يمسك الخيط. لا، كان عارف الوضع تماما وتحليلاته كثير دقيقة وواعية.
جهان: كان عنده نَفَس طويل. مثلا صديقة لي رجعت من أميركا لتنضم لفتح وكانت متحمسة للنضال بس بسبب الفوضى، تركت، يعني قلائل الذين كانوا قادرين يتحملوا
حسن: ويبدو إنه اللا-تنظيم كان بقرار، كل القيادة، اللجنة المركزية كانت ضد إنه يكون أي نوع من التنظيم الجدي، الكل كان يخترق.
جهان: اشتغلتم مع بعض بمكتب المرأة كمان؟
حسن: لما تشكّلت لجنة الإقليم، تشكّلت معه عدة تشكيلات، طبعا أول شي تنظيميا مكتب التنظيم كنا موجودين فيه ومكتب المرأة كنا موجودين فيه والمكتب الثقافي كمان كنا فيه، كنا قيادة 8، 3 كنا نحمل شهادة الدكتوراه ، كنت أنا وحنا ونبيل شعث و التالت فؤاد بوارشي كان مجستير، وقتها أبو اياد قال "إحنا عنا بقيادتنا دكاترة اكتر من حكومة أمين الحافظ". . عمليا ما كان بأيدينا شيء، حاولنا.
جهان: برأيك كان قرارك ترك الحركة صحيح؟
حسن: بعرف، أنا بس حتى ما افتح معركة، أنا قلت لهم أنا معكم كعربي، كان وقتها الجبهة العربية المشاركة، اعتبروني بالجبهة المشاركة بس أنا ما عاد بإمكاني أن كون معكم وأنتم تريدون دولة، ما عاد لي موقع. أنا ما كنت أريد ان أقوله إنه كل برنامجي السياسي تمحور حول الصراع العربي-الصهيوني، فتغيير الفكر بين الصراع العربي ككل والوجود الصهيوني وبين حلّ مشكلة الفلسطينيين بالقبول بالكيان الصهيوني كما هو هذا ما لا أقبله. لكن قلت لهم من حق الفلسطينيين ما يحملوا أعباء الأمة كلها، إذا يقدروا يحصلوها.
من عام 67 الى 70 كان في ثقافة عربية هائلة والتفاف حول المقاومة وكثرين حاولوا يدخلوا، قلة قدروا يدخلوا فعليا، أنا من القلة ، بس كثرين ممن دخلوا انفضوا من حولها بسرعة.
جهان:. بقيت العلاقة مع أبو عمر بعد ما تركت؟
حسن: بقينا نجتمع على طول. فكريا بقينا بخط واحد لكن المواقع اختلفت.
جهان: في ذكريات خاصة؟
حسن: أشياء كثيرة. مثلا بتذكر بيتكم في رأس بيروت والفرش البسيط. تفكيره إنه ما في تناقض إنه يكون ملتزم بالثورة حتى النصر وأن يضحك ويبتسم ويقيم علاقات طيبة مع الناس.
بيروت 2007
* د. حســن الشــريف لبناني صديق أبو عمر التقيا في الولايات المتحدة الأميركية قبيل مغادرته لها وعودته إلى الوطن. عملا معا لعدة سنوات في إطار دعم المقاومة الفلسطينية، في البداية في أميركا ثم في لبنان, التقيا في كثير من المواقف والأفكار وليس في كلها, فبينما قدرحسن صلابة وصبر وتضحيات أبو عمر، رغم رؤيته الواضحة لكل سلبيات المقاومة، واقتناعه بعجزها في تلك المرحلة عن مواجهة كل التحديات والمخاطر التي تحيط بها، الا أنه (حسن) لم ير داع للاستمرار في إطر المقاومة كما أنه إنه لم يتفرغ يوما للعمل السياسي.
ar
ذكريات ودردشات
الأصدقاء والمعارف
?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.19 + AHUNTSIC
Contact Email
info (at) abu-omar-hanna.info